كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **


تنبيه‏:‏ قال بعض العارفين‏:‏ اللّه تعالى له الأخلاق السنية وهي الأسماء الإلهية فمن ذكر الحق كان جليسه ومن كان جليسه فهو أنيسه فلا بد أن ينال من مكارم خلقه على قدر زمان مجالسته ومن جلس إلى قوم يذكرون اللّه أدخله معهم في رحمته وكرامته فإنهم القوم لا يشقى جليسهم فكيف يشقى من كان الحق جليسه ‏(‏من ملائكتي ولا يذكرني في ملأ‏)‏ أي جماعة من خواص خلقي المقبلين على ذكري داعياً لهم إليَّ أو ناشراً بينهم ثنائي أو دالاً لهم على حقيقة ذكري أو مراقبتي أو شاغلاً لهم بذكري ‏(‏إلا ذكرته في الرفيق الأعلى‏)‏ ظاهر هذا أن ذكر اللسان علانية أفضل من الذكر الخفي والذكر القلبي، قال وهب‏:‏ رأيت في بعض الكتب الإلهية أن اللّه يقول يا ابن آدم ما قمت لي بما يجب لي عليك أذكرك وتنساني وأدعوك وتفر مني، خيري إليك نازل وشرك إليّ صاعد‏.‏

- ‏(‏طب عن معاذ بن أنس‏)‏ بن مالك قال الهيثمي‏:‏ إسناده حسن‏.‏

6060 - ‏(‏قال اللّه تعالى عبدي‏)‏ بحذف حرف النداء ‏(‏إذا ذكرتني خالياً‏)‏ عن الخلائق أو عن الالتفات لغيري وإن كنت معهم ‏(‏ذكرتك خالياً‏)‏ أي إن ذكرتني بالتنزيه والتقديس سراً ذكرتك بالثواب والرحمة سراً وقال ابن أبي جمرة‏:‏ يحتمل كونه كقوله تعالى ‏{‏اذكروني أذكركم‏}‏ معناه اذكروني بالتعظيم أذكركم بالإنعام وقال تعالى ‏{‏ولذكر اللّه أكبر‏}‏ أي أكبر العبادات فمن ذكره وهو خائف أمنه أو مستوحش آنسه ‏{‏ألا بذكر اللّه تطمئن القلوب‏}‏ ‏(‏وإن ذكرتني في ملأ ذكرتك في ملأ خير منهم وأكبر‏)‏ وفي رواية بدله خير من الذين ذكرتني فيهم وهذا تنويه عظيم بشرف الذكر قال بعض العارفين‏:‏ الذاكر ربه حياته متصلة دائمة لا تنقطع بالموت فهو حي وإن مات بحياة هي خير وأتم من حياة المقتول في سبيل اللّه ومن لا يذكر اللّه ميت وإن كان في الدنيا بين الأحياء فإنه حي بالحياة الحيوانية وجميع العالم حيّ بحياة الذكر فمثل الذاكر وغيره مثل الحي والميت وإنما كان الذاكر أفضل من الشهيد الغير الذاكر لقوله في الخبر المار ألا أخبركم بأفضل إلخ‏.‏

- ‏(‏هب عن ابن عباس‏)‏ ورواه عنه البزار قال الهيثمي‏:‏ ورجاله رجال الصحيح غير بشر بن معاذ العقدي وهو ثقة‏.‏

6061 - ‏(‏قال اللّه تعالى إذا ابتليت عبدي المؤمن‏)‏ أي اختبرته وامتحنته ‏(‏فلم يشكني‏)‏ أي لم يخبر بما عنده من الألم ‏(‏إلى عوّاده‏)‏ أي زوّاره في مرضه وكل من أتاك مرة بعد أخرى فهو عائد لكنه اشتهر في عائد المريض كما سبق ‏(‏أطلقته من إساري‏)‏ أي من ذلك المرض ‏(‏ثم أبدلته لحماً خيراً من لحمه‏)‏ الذي أذهبه الألم ‏(‏ودماً خيراً من دمه‏)‏ الذي أذهبه الألم ‏(‏ثم يستأنف العمل‏)‏ أي يكفر المرض عمله السيء ويخرج منه كيوم ولدته أمه ثم يستأنف وذلك لأن العبد لما تلطخ بالذنوب ولم يتب طهره من الدنس بتسليط المرض فلما صبر ورضي أطلقه من أسره بعد غفره ما كان من إصره ليصلح لجواره بدار إكرامه فبلاؤه نعمة وسقمه منة وفي إفهامه أنه إذا شكى لم ينل هذه المثوبة قال الغزالي‏:‏ الشكوى معصية قبيحة من أهل الدين فكيف لا تقبح من رب العالمين فالأحرى الصبر على القضاء فإن كان ولا بد من الشكوى فإلى اللّه فهو المبلي وهو المعافي والشكوى ذل وإظهار الذل للعبيد مع كونهم أذلاء قبيح قال حكيم‏:‏ لا تشكو من يرحمك إلى من لا يرحمك، نعم لا بأس بالإظهار إذا صحت النية كأن يصف ما به للطبيب أو لغيره ليعلمه الصبر أو ليظهر بذلك عجزه وافتقاره إلى ربه ولكن يحسن ممن عرف منه القوة والصرامة كما قيل لعليّ في مرضه كيف ‏[‏ص 495‏]‏ أنت قال بشر فنظر بعض القوم لبعض ظانين أنه شكاية فقال‏:‏ أأتجلد على اللّه‏؟‏ فأحب إظهار عجزه لما علموه من قوته‏.‏

- ‏(‏ك هق عن أبي هريرة‏)‏ قال الحاكم‏:‏ على شرطهما وأقره الذهبي في التلخيص لكنه قال في المهذب‏:‏ لم يخرجه الستة لعلته اهـ‏.‏ وقال العراقي‏:‏ سنده جيد‏.‏

6062 - ‏(‏قال اللّه تعالى عبدي المؤمن أحب إليّ من بعض ملائكتي‏)‏ فإنه تعالى خلقه في غاية الحسن والإتقان وأعلى منصبه على سائر الحيوان وجعله مختصراً من العالم المحيط مركباً من كثيف وبسيط لم يبق في الإمكان شيء إلا وأودع فيه في أول نشأته ومبانيه حتى برز على غاية الكمال وظهر في البرازخ بين الجلال والجمال فليس في الوجود عجز ولا في القدرة نقصان قال ابن عربي‏:‏ صح ذلك عند ذوي العقول الراجحة بالدليل والبرهان ولهذا قال بعض الأئمة يعني الغزالي ليس أبدع من هذا العالم في الإمكان فانظر إلى ما تفرق في العالم الأكبر تجده في هذا العالم الإنساني من ملك وملكوت حتى إذا ظهر في العالم مثل إنما وجدته في الإنسان كالشعر والظفر وكما أن في العالم ماءاً ملحاً وعذباً وزعاقاً ومراً فكذا في الإنسان‏:‏ فالمالح في عينه والزعاق في منخريه والمرّ في أذنيه والعذب في فمه، وكما أن في العالم تراباً وماءاً وهواءاً وناراً ففي الإنسان مثل ذلك، وكما أن في العالم رياحاً أربع شمالاً وجنوباً وصباً ودبوراً ففي الإنسان أربع قوى‏:‏ جاذبة وماسكة وهاضمة ودافعة، وكما أن في العالم سباعاً وشياطين وبهائم ففي الإنسان الافتراس وطلب القهر والغلبة والغضب والحقد والحسد والأكل والشرب والنكاح، وكما أن في العالم ملائكة بررة سفرة ففي الإنسان طهارة وطاعة ، وكما أن في العالم من يظهر للأبصار ويخفى ففي الإنسان ظاهر وباطن‏:‏ عالم الحس وعالم القلب، فظاهره ملك وباطنه ملكوت، وكما أن في العالم سماءاً وأرضاً ففي الإنسان علواً وسفلاً فامش بهذا الاعتبار على العالم تجد النسخة الإلهية صحيحة ما اختل حرف ولا نقص معنى‏.‏ والقصد بيان شرف الإنسان‏.‏

- ‏(‏طس‏)‏ وكذا الديلمي ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ قال الهيثمي‏:‏ فيه ابن المهرم متروك‏.‏

6063 - ‏(‏قال اللّه تعالى وعزتي وجلالي لا أجمع لعبدي أمنين ولا خوفين‏:‏ إن هو أمنني في الدنيا أخفته يوم أجمع عبادي، وإن هو خافني في الدنيا أمنته يوم أجمع عبادي‏)‏ فمن كان خوفه في الدنيا أشد كان أمنه يوم القيامة أكثر وبالعكس وذلك لأن من أعطى علم اليقين في الدنيا طالع الصراط وأهواله بقلبه فذاق من الخوف وركب من الأهوال ما لا يوصف فيضعه عنه غداً ولا يذيقه مرارته مرة ثانية وهذا معنى قول بعض العارفين لأنه لما صلى حر مخالفة القوى في الدنيا لم يذقه اللّه كرب الحر في العقبى‏.‏ قال القرطبي‏:‏ فمن استحى من اللّه في الدنيا مما يصنع استحى اللّه عن سؤاله في القيامة ولم يجمع عليه حياءين كما لم يجمع عليه خوفين وقال الحرالي‏:‏ نار الحق في الدنيا للمعترف رحمة من عذاب النار تفديه من نار السطوة في الآخرة ومحمد عليه الصلاة والسلام يعطى الأمن يوم القيامة حتى يتفرغ للشفاعة وما ذاك إلا من الخوف الذي كان علاه أيام الدنيا فلم يجتمع عليه خوفان فكل من كان له حظ من اليقين فعاين منه ما ذاق من الخوف سقط عنه من الخوف بقدر ما ذاق هنا قال العارفون‏:‏ والخوف خوفان خوف عقاب وخوف جلال والأول يصيب أهل الظاهر والثاني يصيب أهل القلوب والأول يزول والثاني لا يزول‏.‏

- ‏(‏حل عن شداد بن أوس‏)‏ ورواه البزار والبيهقي عن أبي هريرة‏.‏

6064 - ‏(‏قال اللّه تعالى يا ابن آدم إن ذكرتني في نفسك‏)‏ أي سراً وخيفة إخلاصاً وتجنباً للرياء ‏(‏ذكرتك في نفسي‏)‏ أي ‏[‏ص 496‏]‏ أسر بثوابك على منوال عملك وأتولى بنفسي إثابتك لا أكله لأحد من خلقي فهو وارد على منهج المشاكلة أو المعنى إن خلوت بذكري أخليت سرك عن سواي وإن أخفيت ذكرك إجلالاً لي أخفيتك في غيبي فلا ينالك مكروه فتكون سري بين خلقي غاروا على أذكاره فغار على أوصافهم فهم خباياه في غيبه وأسراره في خلقه ‏(‏وإن ذكرتني في ملأ‏)‏ افتخاراً بي وإجلالاً لي بين خلقي ‏(‏ذكرتك في ملأ خير منهم‏)‏ أي ملأ الملائكة المقربين وأمواح المرسلين مباهات بك وإعظاماً لقدرك وخيرية الملائكة من جهة أن حالتهم واحدة في الطاعة والمؤمنون مختلفون فهم بين طاعة ومعصية وفترة وتوفير وجدّ وتقصير والملأ الذي عنده مقدس لا يعصون اللّه بحال فقد تمسك بهذا من فضل الملائكة على البشر ‏(‏وإن دنوت مني شبراً دنوت منك ذراعاً وإن دنوت مني ذراعاً دنوت منك باعاً وإن أتيتني تمشي أتيتك أهرول‏)‏ يعني من دنا إليّ وقرب مني بالاجتهاد والإخلاص في طاعتي قربته بالهداية والتوفيق وإن زاد زدت واعلم أنه سبحانه وتعالى أقرب من كل شيء إلى كل شيء أبعد إلى كل شيء من كل شيء وقربه من خلقه أقسام ثلاثة قرب العامة وهو قرب العلم وقرب الخاصة وهو قرب الرحمة وقرب خاصة الخاصة وهو قرب الحفظ والرعاية ذكره بعض الأعاظم وقال ابن عربي‏:‏ هذا قرب مخصوص يرجع إلى ما يتقرب إليه سبحانه من الأعمال والأحوال فإن القرب العام قوله ‏{‏ونحن أقرب إليه من حبل الوريد‏}‏ فضاعف القرب بالذراع فإن الذراع ضعف الشبر وما تقربت إليه إلا به لأنه لولا ما دعاك وبين لك طريق القرب وأخذ بناصيتك فيها لم تعرف الطريق التي يتقرب منه ما هي ولو عرفتها لم يكن لك حول ولا قوة إلا باللّه اهـ‏.‏

تنبيه‏:‏ قال العوفي‏:‏ هذا الحديث أصل في السلوك إلى اللّه والوصول إلى معرفته‏.‏

- ‏(‏حم عن أنس‏)‏ بن مالك قال الهيثمي‏:‏ رجاله رجال الصحيح‏.‏

6065 - ‏(‏قال اللّه تعالى يا ابن آدم إنك ما دعوتني‏)‏ أي مدة دعائك فهي زمانية نحو ‏{‏ما يتذكر فيه من تذكر‏}‏ ‏(‏ورجوتني‏)‏ أي أملت مني الخير ‏(‏غفرت لك‏)‏ ذنوبك ‏(‏على ما كان منك‏)‏ من عظائم وجرائم أو ما دمت تدعوني وترجو مغفرتي ولا تقنط من رحمتي فإني أغفر لك ولا تعظم عليّ مغفرتك وإن كانت ذنوبك كثيرة وذلك لأن الدعاء مخ العبادة والرجاء متضمن لحسن الظن باللّه وهو قال أنا عند ظن عبدي بي وعند ذلك تتوجه الرحمة له وإذا توجهت لا يتعاظمها شيء لأنها وسعت كل شيء ‏(‏ولا أبالي‏)‏ بذنوبك إذ لا معقب لحكمي ولا مانع لعطائي كأنه من البال فإنه إذا قيل لا أبالي كأنه قال لا يشتغل بالي بهذا الأمر أو نحوه قال الطيبي‏:‏ في عدم مبالاته معنى قوله ‏{‏لا يسأل عما يفعل‏}‏ ‏(‏يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك‏)‏ بفرض كونها أجساماً ‏(‏عنان‏)‏ بفتح المهملة سحاب ‏(‏السماء‏)‏ بأن ملأت ما بين السماء والأرض كما في الرواية الأخرى أو عنانها ما عن لك منها أي ظهر إذا رفعت رأسك ثم ‏(‏استغفرتني‏)‏ أي تبت توبة صحيحة ‏(‏غفرت لك ولا أبالي‏)‏ لأن الاستغفار استقالة والكريم محل إقالة العثرات وهذا على إطلاقه لأن الذنب إما شرك يغفر بالاستغفار أي التوبة منه وهو الإيمان أو دونه فبالندم والإقلاع بشرطه المعروف قال التوربشتي‏:‏ العنان السحاب وإضافته على هذا المعنى إلى السماء غير فصيح وأرى الصواب أعنان السماء وهي صفائحها يحسها وما اعترض من أقطارها كأنه جمع عنن فلعل الهزة سقطت من بعض الرواة وورد أن العنان بمعنى العياء وأجاب الطيبي بأنه يمكن أن يجعل من باب قوله ‏{‏فخر عليهم السقف من فوقهم‏}‏ تصويراً لارتفاع شأن السحاب وأنه بلغ مبلغ السماء وقال القاضي‏:‏ العنان السحاب الواحدة عنانة من عنّ إذا اعترض وأضيف إلى السماء لأنه معترض من دونها وقد يقال أعنان ‏[‏ص 497‏]‏ السماء والمعنى أنه لو كثرت ذنوبك كثرة تملأ ما بين السماء والأرض بحيث تبلغ أقطارها وتعم نواحيها ثم استغفرتني غفرت لك جميعها غير مبال بكثرتها فإن استدعاء الاستغفار للمغفرة يستوي فيه القليل والكثير والجليل والحقير ‏(‏يا ابن آدم لو أنك أتيتني بقراب الأرض‏)‏ بضم القاف ويقال بكسرها والضم كما في الرياض أفصح وأشهر أي بقريب ملئها أو مثلها وهو أشبه إذ الكلام سيق للمبالغة وقال القاضي‏:‏ هو مأخوذ من القرب أي ما يقاربها في المقدار والقراب شبه جراب يضع فيها المسافر زاده وقراب السيف غمده ‏(‏خطايا‏)‏ قال الطيبي‏:‏ تمييز من الإضافة نحو قولك ملأ الإناء عسلاً ‏(‏ثم لقيتني‏)‏ أي مت حال كونك ‏(‏لا تشرك بي شيئاً‏)‏ لاعتقادك لتوحيدي وتصديق رسلي وما جاؤوا به قال الطيبي‏:‏ وثم للتراخي في الأخبار ‏(‏لأتيتك بقرابها مغفرة‏)‏ ما دمت تائباً عنها مستغفراً منها مستقبلاً إياها وعبر به للمشاكلة وإلا فمغفرته أبلغ وأوسع من ذلك فهو بيان لكثرة مغفرته لئلا ييأس المذنبون عنها لكثرة الخطايا ولا يجوز الاغترار بهذا وإكثار المعاصي لأن للّه عقوبة شديدة‏.‏

- ‏(‏ت والضياء‏)‏ المقدسي ‏(‏عن أنس‏)‏ بن مالك‏.‏

6066 - ‏(‏قال اللّه تعالى عبدي‏)‏ بحذف حرف النداء ‏(‏أنا عند ظنك بي وأنا معك‏)‏ بالتوفيق والمعونة أو أنا معك بعلمي وهو كقوله ‏{‏إنني معكما أسمع وأرى‏}‏ والمعية المذكورة أخص من المعية التي في قوله ‏{‏ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم‏}‏ إلى أن قال ‏{‏إلا هو معهم أينما كانوا‏}‏ ‏(‏إذا ذكرتني‏)‏ أي دعوتني فاسمع ما تقوله فأجيبك وقال ابن أبي جمرة‏:‏ أنا معك بحسب ما قصدت من ذكرك لي قال‏:‏ ثم يحتمل أن يكون الذكر باللسان فقط أو بالقلب فقط أو بهما أو بامتثال الأمر وتجنب النهي قال‏:‏ والذي تدل عليه الأخبار أن الذكر نوعان أحدهما مقطوع لصاحبه بما تضمنه مثل هذا الخبر والثاني على خطر قال‏:‏ والأول يستفاد من قوله تعالى ‏{‏فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره‏}‏ والثاني من الحديث الذي فيه من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من اللّه إلا بعداً لكن إن كان في حال المعصية يذكر اللّه بخوف ووجل مما هو فيه فإنه يرجى له‏.‏

- ‏(‏ك عن أنس‏)‏ بن مالك‏.‏

6067 - ‏(‏قال اللّه تعالى للنفس اخرجي‏)‏ من الجسد ‏(‏قالت لا أخرج إلا كارهة‏)‏ قال الطيبي‏:‏ ليس المراد نفساً معينة بل الجنس مطلقاً كقوله أمرّ على اللئيم يسبني وذلك لأنها ألفت الجسد واشتدت مصاحبتها له وامتزاجها به فلا تخرج إلا بغاية الإكراه‏.‏

- ‏(‏خد عن أبي هريرة‏)‏ ورواه عنه البزار هكذا وزاد قال اخرجي وإن كرهت قال الهيثمي‏:‏ رجاله ثقات‏.‏

6068 - ‏(‏قال اللّه تعالى يا ابن آدم ثلاثة واحدة لي وواحدة لك وواحدة بيني وبينك فأما التي لي فتعبدني لا تشرك بي شيئاً وأما التي لك فما عملت من عمل جزيتك به فإن أغفر فأنا الغفور الرحيم وأما التي بيني وبينك فعليك الدعاء والمسألة وعليّ الاستجابة والعطاء‏)‏ تفضلاً وتكرماً لا وجوباً والتزاماً فالاستجابة والعطاء أمر محقق لا ريب فيه لكن تارة يكون بعين المسؤول وتارة بدله مما هو أصلح وأنفع وتارة في الدنيا وأخرى في الآخرة‏.‏

- ‏(‏طب عن سلمان‏)‏ الفارسي رمز المصنف لحسنه قال الهيثمي‏:‏ وفيه حميد بن الربيع مدلس وفيه ضعف‏.‏

6069 - ‏(‏قال اللّه تعالى من لا يدعوني أغضب عليه‏)‏ أي ومن يدعوني أحبه وأستجيب له، وقيل في المعنى‏:‏ ‏[‏ص 498‏]‏

اللّه يغضب إن تركت سؤاله * وبني آدم حين يسأل يغضب

قال سبحانه ‏{‏أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي‏}‏ فقدم إجابته لنا إذا دعوناه على إجابتنا له إذا دعانا وجعل الاستجابة من العبد لأنها أبلغ من الإجابة لأنه سبحانه لا مانع له من الإجابة فلا فائدة للتأكيد وللإنسان موانع منها الهوى والنفس والشيطان والدنيا فلذلك أمر بالاستجابة فإن الاستفعال أشد في المبالغة من الأفعال وأين الاستخراج من الإخراج ولهذا يطلب الكون من اللّه العون ‏(‏خاتمة‏)‏ قالوا‏:‏ هذه أحاديث قدسية وتفارق القرآن بأنه اللفظ المنزل للإعجاز بشيء منه والحديث القدسي إخبار اللّه نبيه معناه بإلهام أو منام فأخبر عنه بعبارة نفسه وبقية الأحاديث لم يضفها إليه ولم يروها فالقرآن أشرف الكل فالقدسيّ لأنه نص إلهي في الدرجة الثانية وإن كان بغير واسطة ملك غالباً لأن المنظور إليه معناه دون لفظه وفي التنزيل اللفظ والمعنى معاً ذكره الطيبي‏.‏

- ‏(‏العسكري في المواعظ عن أبي هريرة‏)‏ رمز المصنف لحسنه‏.‏

6070 - ‏(‏قال ربكم أنا أهل أن أتقى‏)‏ بالبناء للمفعول بضبط المصنف أي أخاف وأحذر فالحذر أن أوصف بما وصفني به المشركون ‏{‏ويحذركم اللّه نفسه‏}‏ ورأس الاتقاء اتقاء كلمة الكفر كما قال ‏(‏فلا يجعل‏)‏ بالبناء للمفعول بضبط المصنف ‏(‏معي إله‏)‏ لأنه لا إله غيري ولو أشرك بي العبد أحداً معي لفعل محالاً لجعله شيئاً لا يكون وليس بكائن ‏(‏فمن اتقى أن يجعل معي إلهاً فأنا أهل أن أغفر له‏)‏ هذا على نسق التنزيل نسب الأهلية إلى نفسه في الفعلين لأنه شكور ولا يضيع أجر المحسنين فمن زعم أن أحداً من الموحدين يخلد في النار فقد أعظم الفرية ونسب ربه إلى الجور ‏"‏تعالى اللّه عن ذلك‏"‏ وقول بعض السلف بخلود أهل الكبائر أراد به طول المكث وأبهمه زجراً وتخويفاً فلم يفهم أولئك مراده فضلوا وأضلوا قال الإمام الرازي‏:‏ سمى نفسه أهل التقوى وسمى الموحدين أهل كلمة التقوى فكأنه يقول أنا أهل أن أكون مذكوراً بهذه الكلمة وأنت أهل أن تكون ذاكرها فما أعظم هذا الشرف وقال الطيبي‏:‏ أهل الرجل من يجمعه وإياهم نسب أو دين ثم تجوز واستعمل في معنى الخليق والجدير فقيل فلان أهل لكذا أي خليق به وهو المعني بقوله ‏{‏هو أهل التقوى وأهل المغفرة‏}‏ فأخبر بأنه حقيق بأن يتقى منه وخليق بأن يغفر لمن اتقاه ففوض الترتيب إلى ذهن السامع اهـ‏.‏

- ‏(‏حم ت ن‏)‏ في التفسير ‏(‏ه‏)‏ في الزهد ‏(‏ك‏)‏ في التفسير كلهم من حديث سهيل القطيعي عن ثابت ‏(‏عن أنس‏)‏ وقال الترمذي‏:‏ حسن غريب وسهيل ليس بالقوي وقد تفرد به عن ثابت‏.‏

6071 - ‏(‏قال ربكم لو أن عبادي أطاعوني‏)‏ في فعل المأمورات وتجنب المنهيات ‏(‏لأسقيتهم المطر بالليل ولأطلعت عليهم الشمس بالنهار ولما أسمعتهم صوت الرعد‏)‏ قال الطيبي‏:‏ من باب التتميم فإن السحاب مع وجود الرعد فيه شائبة خوفاً من البرق لقوله سبحانه ‏{‏هو الذي يريكم البرق خوفاً وطعماً‏}‏‏.‏

- ‏(‏حم ك‏)‏ في التفسير من حديث صدقة بن موسى عن محمد بن واسع عن عمير ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ قال الحاكم‏:‏ صحيح ورده الذهبي بأن صدقة واه فالصحة من أين‏؟‏

6072 - ‏(‏قال‏)‏ لي ‏(‏جبريل لو رأيتني‏)‏ يا محمد حين قال فرعون عند إدراكه الغرق ‏{‏آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين‏}‏ ‏(‏وأنا آخذ من حال البحر‏)‏ أي طينه الأسود المنتن ‏(‏فأدسه في في فرعون‏)‏ عندما أدركه الغرق ‏(‏مخافة أن تدركه الرحمة‏)‏ أي رحمة اللّه التي وسعت كل شيء وجواب لو محذوف أي لرأيت أمراً عجيباً يبهت الواصف عن كنهه فإني لما شاهدت تلك الحالة بهت غضباً على عدو اللّه لادعائه تلك العظمة، والحاصل أنه إنما فعل ذلك غضباً للّه لا أنه كره إيمانه لأن كراهة إيمان الكافر على ما قالوا كفر قال الماتريدي‏:‏ إنما يكون الرضى بالكفر كفراً إذا رضي بكفر نفسه لا بكفر غيره وقد ذكر الزمخشري هذا بوزن قوله مخافة إلخ وقال دسه في فيه للغضب للّه على الكافر في وقت قد علم أن إيمانه لا ينفعه قال وأما ما يضم إليه من قولهم مخافة أن تدركه الرحمة فمن زيادات المباهتين للّه ولملائكته لأن الإيمان يصح بالقلب فحال البحر لا يمنعه أي عند الحنفية وقد يجاب بأن جبريل عليه السلام أراد شغل قلبه لا لسانه‏.‏

- ‏(‏حم ك عن ابن عباس‏)‏ أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال لما أغرق اللّه فرعون فقال ‏{‏آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل‏}‏ فقال لي جبريل إلخ قال الحاكم‏:‏ صحيح على شرطهما وأقره الذهبي في التلخيص لكنه في الميزان نقل عن أحمد أن يوسف بن مهران أحد رجاله لا يعرف ثم ساقه بلفظه‏.‏

6073 - ‏(‏قال لي جبريل بشر خديجة‏)‏ بنت خويلد أم المؤمنين ‏(‏ببيت في الجنة من قصب‏)‏ يعني قصب اللؤلؤ المجوف كما جاء مفسراً في هذا الخبر بعينه وهو إما من تتمة الحديث أو من كلام الصحابي ‏(‏لا صخب فيه‏)‏ بفتح المهملة والمعجمة والموحدة لا صياح فيه ‏(‏ولا نصب‏)‏ بالتحريك لا تعب لأن قصور الجنة ليس فيها ذلك كما ذكره ابن القيم قال السهيلي‏:‏ المناسبة في هاتين الصفتين أن المصطفى صلى اللّه عليه وسلم لما دعى إلى الإيمان أجابت خديجة طوعاً فلم تحوجه إلى رفع صوت ولا نزاع ولا تعب بل أزالت عنه كل نصب وآنسته من كل وحشة وهوّنت عليه كل عسير فناسب كون منزلها الذي بشرها به ربها بالصفة المقابلة قال الخطابي‏:‏ والبيت هنا عبارة عن قصر وقد يقال لمنزل الرجل بيته قال السهيلي‏:‏ وهو صحيح يقال في القوم هو أهل بيت شرف وعزو في التنزيل ‏{‏غير بيت من المسلمين‏}‏ ونكتة تعبيره ببيت دون قصر أنها كانت ربة بيت في الإسلام لم يكن على الأرض بيت إسلام إلا بيتها حين آمنت وأيضاً هي أول من بنى بيتاً في الإسلام بتزوجها نبياً وجزاه الفعل يذكر بلفظ الفعل وإن كان أشرف منه كما جاء أن من كسى مسلماً على عري كساه اللّه من حلل الجنة ومن سقى مسلماً على ظمأ سقاه اللّه من الرحيق ومنه خبر من بنى مسجداً - الحديث - لم يرد مثله في كونه مسجداً ولا في صفته بل قابل البنيان بالبنيان أي كما بنى بنى له كما قابل الكسوة بالكسوة والسقيا بالسقيا فهنا رفعت المماثلة لا في ذات المبنى أو المكسو، فمن ثم اقتضت الفصاحة أن يعبر بها عما بشرت به بلفظ البيت وإن كان فيه ما لا عين رأت ولا أذن سمعت قال ابن حجر‏:‏ وفي البيت معنى آخر وهو أن مرجع أهل بيت النبي صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم إليها‏.‏

- ‏(‏طب‏)‏ وكذا الأوسط ‏(‏عن ابن أبي أوفى‏)‏ قال الهيثمي‏:‏ رجاله رجال الصحيح غير محمد بن أبي سمية وقد وثقه غير واحد‏.‏

6074 - ‏(‏قال لي جبريل قلبت مشارق الأرض ومغاربها فلم أجد رجلاً أفضل من محمد وقلبت مشارق الأرض ومغاربها فلم أجد بني أفضل من بني هاشم‏)‏ قال الحكيم‏:‏ إنما طاف الأرض ليطلب النفوس الطاهرة الصافية المتزكية بمحاسن الأخلاق ولم ينظر للأعمال لأنهم كانوا أهل الجاهلية إنما نظر إلى أخلاقهم فوجد الخير في هؤلاء وجواهر ‏[‏ص 500‏]‏ النفوس متفاوتة بعيدة التفاوت‏.‏